محمود حبيش يكتب | نصر أكتوبر والاقتصاد المصري

0 498

إن الانتصار المصري في حرب أكتوبر ١٩٧٣ أعم وأشمل من أن يقتصر على انتصار عسكري حققته قواتنا المسلحة على قوات العدو، في حرب أكتوبر انتصرت مصر عسكريًا في ميدان المعركة، وسياسيًا في غرف التفاوض والاجتماعات المغلقة، وانتصرت في مواجهة الظروف المعاكسة وضعف التنمية، وانتصرت في مواجهة تراجع ظروف المعيشة ومواجهة الحصار الاقتصادي من الغرب والولايات المتحدة الاميركية .. إن أردنا أن نختصر كلمات تصف نصر أكتوبر في مختلف المجالات فهو انتصارا للإرادة فى مواجهة الانكسار، وللتحدى فى مواجهة محاولات الخضوع من قبل آخرين.

لكن لا يمكن النظر إلى اقتصاد فترة 1973 وما بعدها بمعزل عن السنوات التي سبقتها، فالاقتصاد المصري كان يتجه بخطى واثقة إلى الأمام، وحقق نموًا حقيقيًا زاد على 6% بحلول عام 1965، وارتفع معدل الاستثمار إلى 17.8% من الناتج المحلي بدلا من 12.5 في نهاية الخمسينيات .. وفجأةً بدأت القروض الأجنبية والمعونات تنقطع، وهو ما يمثل 1/5 الاستثمارات، وقضي على طموحات وتجربة التنمية، وأدى إلى انتكاسة الاقتصاد حرب 67 التي فرضت على مصر منحنى وطريقًا غير الذي كانت تخطط لأن تسلكه، حيث ترتب على هزيمة 1967 انخفاض شديد فى موارد العملات الأجنبية، مما جعل الاستمرار فى معدل نمو مرتفع مع تحمل أعباء الإنفاق العسكرى استعدادا لحرب جديدة أمرًا فى حكم المستحيل.

كما إنه بقيام الحرب فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخُربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأُغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر 164 مليون دولار سنويًا قبل الحرب، بالاضافة الى انخفاض كبير في إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلًا عن الإنفاق الذي فرضه تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس والتكلفة الاقتصادية الضخمة.

أدركت القيادة السياسية في مصر إنه لا يمكن تنفيذ أى حرب بدون تمويل اقتصادي يوفر متطلبات الحرب ومتطلبات الحياة المدنية اليومية مما يؤدي إلى تحمل مبالغ باهظة بالإضافة إلى تأثر اقتصاد الدولة بشكل مباشر وغير مباشر بالحرب ليس وقت الحرب فقط بل وبعد انتهاء الحرب وصولاً إلى تكلفة إعادة الإعمار، فطبقت حكومة الدكتور عبد العزيز صدقي خطة اقتصادية تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومى، لتدبير الأموال اللازمة لصالح القوات المسلحة، و طرحت الحكومة المصرية سندات الجهاد من أجل تمويل متطلبات الحرب وهى شهادات استثمارية من أجل المشاركة المجتمعية فى الحرب ماليًا تحت شعار ” شارك في ملحمة النضال الوطنى “، وتم الطرح فى البنك المركزي وفروعه وجميع البنوك المصرية، وكانت بفائدة 4.5% سنويا ومعفاة من الضرائب، كما لا يجوز الحجز عليها، وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه .. تمت إعادة بناء وهيكلة الجيش المصري بفضل اقتصاد وطني كافح وصامد بأقل الإمكانيات.

وبعد النصر وتحرير الأرض جنت مصر ثمار مكاسبها الاقتصادية وكان أبرز المكاسب الاقتصادية التي حققتها حرب أكتوبر هي عائدات البترول الموجودة فى البحر الأحمر وسيناء وحصول مصر على إيراداتها مرة أخرى، كما زادت عائدات السياحة نتيجة لانتهاء الحرب بالإضافة إلى الاستقرار السياسي واهتمام الدولة بالسياحة وخصوصًا فى جنوب سيناء بالإضافة إلى استرداد الموانئ البحرية وانتعاش حركة التجارة الداخلية والخارجية إلى جانب انتعاش حركة الصيد نتيجة استرداد السواحل المصرية.

كما تم إعادة افتتاح قناة السويس عام 1975 للملاحة الدولية وإعادة عائدات إيرادات قناة السويس للدولة المصرية، كل هذا ساهم فى تطوير قناة السويس وفتح الأبواب أمام مشروعات استثمارية جديدة فى القناة، وتم إعادة توطين وتنمية مدن القناة وسيناء بجانب تشجيع الاستثمارات الأجنبية والصناعات الوطنية وفتح فرص أمام بناء مدن صناعية جديدة على طريق الإسماعيلية مثل العاشر من رمضان وفتح فرص لبناء مجتمعات عمرانية جديدة، فلولا حرب أكتوبر لتغيرت الخريطة الاستثمارية فى مصر، فالصناعات الوطنية ساهمت في زيادة التصدير والاكتفاء الذاتي من المنتجات وساهمت فى خفض نسب البطالة وارتفاع مستوى المعيشة.

إن إصلاح الأوضاع الاقتصادية يكمن فى التفاف جميع شرائح المجتمع حول القيادة السياسية، لزيادة العمل والإنتاج، والأزمات تتطلب إجراءات صارمة للخروج منها فى أسرع وقت ممكن، وهو ما حدث فى أثناء فترة حرب 1973، حيث العمل والاتحاد لتجاوز الأزمة، وهو ما يعزز مفهوم ( اقتصاد الحرب ) فى الفترة الحرجة التى تمر بها مصر اقتصاديًا .. كما أن الإجراءات التى اتخذتها مصر فى اقتصاد حرب أكتوبر تصلح للاستخدام الآن، وتشمل الالتفاف حول القيادة السياسية، وزيادة العمل والإنتاج، والنمو في الناتج المحلي الإجمالي لمصر، إلى جانب ترشيد الاستيراد من الخارج، والاتجاه لتشجيع شراء المنتج المحلى بدلًا من الطلب على المنتجات المستوردة التي تدعم اقتصاديات الدول الأخرى.

– حفظ الله مصر وأهلها، رحم الله الزعيم الشهيد البطل / محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام، رحم الله شهداء العزة والكرامة شهداء نصر أكتوبر الأبرار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.