منذر أبو حلتم يكتب | الميتافيرس .. انقراض الإنسان العضوي (١)

0 222

في تطور يشبه كثيرا ما نشاهده في اكثر افلام الخيال العلمي خيالا وميتافيزيقية ..نشهد اليوم ظهور التقنية الجديدة والتي تبدو حتى الان غامضة وغير مفهومة بالنسبة للكثيرين والمسماة ( ميتافيرس ) ..
فما هو الميتافيرس ؟ وكيف سيؤثر على حياة البشر ؟ وهل هو تقنية حديثة وجدت فجأة ام هو تطور تدريجي تم التمهيد له منذ زمن طويل ؟ وهل يمكن ربط ظهور هذا الميتافيرس بما نراه حولنا في عالمنا الواقعي الحقيقي من اوبئة وامراض وحروب وتدهور اقتصادي يشمل كافة دول العالم ؟
نعود للسؤال الاهم .. كيف سيؤثر الميتافيرس على حياة البشر وسلوكياتهم التي تمس صميم حياتهم ووجودهم ككائنات ذكية تعيش في هذا العالم ؟
للاجابة على هذا التساؤل لا بد لنا من العوده قليلا للواقع .. والقاء نظرة على اثر وسائل وتقنيات التواصل الاجتماعي ومنها ( الفيسبوك وتويتر وانستجرام وسناب شات وتوك توك الخ ) .. فهل كان لهذه التقنيات تأثير على الحياة الاجتماعية للبشر ..وعلى سلوكهم الاجتماعي بغض النظر عن اعمارهم وجنسهم وتواجدهم الجغرافي ؟
لا يختلف اثنان على الاقرار بحجم تأثير وسائل التواصل والذي قلب موازين السلوك البشري بحيث اصبح التواصل الافتراضي عبر هذه المنصات هو البديل عن اي تواصل مادي حقيقي بين البشر .. ليمتد هذا التأثير ليشمل كافة نواحي الحياة .. فهذه المنصات لم تعد مجرد وسيلة للاتصال او التسلية بل اصبحت اساسيات للعمل والتسويق والتجارة والتعليم والاعلام .. وامتد سوق العمل بها لتتحول هذه المنصات الى مؤسسات عملاقة تتجاوز قيمتها السوقية تريليونات الدولارات .. بحيث اصبحت القوة الاقتصادية للفيسبوك مثلا اكثر قوة من كافة حقول النفط المنتجة في العالم العربي مثلا ..
واصبح هذا الجهاز السحري ( الهاتف المحمول ) الذي تفوق على مصباح علاء الدين في متناول كل انسان سواء كان طفلا ام عجوزا .. متعلما ام جاهلا .. متدينا ام منحرفا .. فهو يتيح لكل انسان ما يريده .. ولهذا اصبح مألوفا جدا ان تشاهد البشر في الاماكن العامة والخاصة وقد شخصوا بابصارهم الى شاشات هواتفهم الذكية مستغرقين في عوالمهم الخاصة منعزلين وزاهدين في العالم الحقيقي الواقعي … منجذبين الى عالم يظهرون فيه انفسهم بالصورة التي يحبون .. عالم كل من فيه مثالي .. لا تشكل في حواجز الحدود الجغرافية او اللغوية حاجزا امام تواصل مفتوح بلا حدود …
عمليا .. اصبح الجميع مدمنا على هذه الوسائط حيث تشير الاحصائيات الى ما يلي :
• 4.48 مليارات شخص يستخدمون وسائل التواصل (بحسب إحصائيات يوليو/تموز 2021)، ويشكل عدد مستخدمي وسائل التواصل حاليا نسبة 56.8% من سكان العالم.
• 520 مليون مستخدم جديد انضموا إلى استخدام وسائل التواصل في الـ 12 شهرا الأخيرة من يوليو/تموز 2012.
• تشير تلك الأرقام إلى أن أكثر من 9 من كل 10 مستخدمين للإنترنت يستخدمون الآن وسائل التواصل.
• يملك الشخص العادي حسابات على أكثر من 9 شبكات تواصل مختلفة.
• يستخدم الشخص العادي أو يزور بنشاط ما متوسطه 6.6 منصات وسائط مختلفة كل شهر، ويقضي ما يقرب من ساعتين و30 دقيقة باستخدام وسائل التواصل يوميا.
• %91 من مستخدمي وسائل التواصل يصلون إليها عبر أجهزتهم الجوالة.
• على فرض أن الناس ينامون ما بين 7 و8 ساعات يوميا، فإن الأرقام الأخيرة تشير إلى أنهم يمضون نحو 15% من حياة اليقظة يستخدمون وسائل التواصل.
• يمضي العالم أكثر من 10 مليارات ساعة يوميا يستخدم وسائل التواصل، وهذا يعادل نحو 1.2 مليون سنة من عمر الوجود البشري.
هذه المعلومات تشكل دليلا واضحا على مدى تأثير هذه الوسائط على البشر وحياتهم وبشكل مباشر ..حيث يمكن القول بثقة انه خلال العقدين الاخيرين تم ربط معظم البشر بهذه المنصات التي تقدم خدماتها ( المجانية ) للناس واعدة المشتركين بدخول عوالم تتسم بالحرية والتحرر من كل القيود عالم يمارس فيه الجميع احلامهم وطموحاتهم التي عجزوا عن تحقيقها في حياتهم الحقيقية الواقعية .. عالم اختلط فيه الحابل بالنابل وامتزج فيه الحقيقي بالوهم .. بحيث اصبح الانسان يعيش حياتين يتصارع فيهما بين واقع يربطه بعالم قد لا يكون بمثالية وجمال الواقع الافتراضي الذي يصبخ اكثر واقعية يوما بعد يوم … اصبح الاغلبية عبيدا لهذا الاله الجديد الذي يمنح العوالم الجديدة للبشر .. عالم يعرف من يديره كل شيء عنك .. يعرف حركاتك وسكناتك .. اهتماماتك .. اقاربك .. معارفك .. هواياتك .. افكارك .. صورك وصور كل من تعرف .. ولكن كل هذه السطوة الدكتاتورية ليست بالمثالية التي يتصورها البعض .. فهي تتيج لك الحرية مالم تتجاوز خطوطهم الحمراء وسياساتهم التي يفرضونها .. والتي ان تجاوزتها سوف تعاقب بالتجميد او الحذف ( الاعدام الافتراضي ) في عالم اصبح يكاد يصبح اكثر اهمية لدى البعض من حياتهم الواقعية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.