د. قياتي عاشور يكتب | الجامعات بين الوعي والتضليل

0

في عصر تنتشر فيه المعلومات المضللة، ونظريات المؤامرة بشكل واسع، وتزداد الانقسامات الفكرية بين أفراد المجتمع، تبرز الجامعات والمؤسسات التعليمية كحصون للوعي والمعرفة. لم يعد دور هذه المؤسسات مقتصرًا على نقل المعلومات، بل أصبحت مراكزًا لبناء عقول قادرة على التفكير النقدي والتحليل الموضوعي، وتعزيز الحوار البناء. فكيف يمكن تحويل قاعات الدراسة إلى فضاءات آمنة ومحفزة للنقاش بدلًا من أن تكون ساحات للصراع؟
من خلال تجربتي في تدريس مقرر علم الاجتماع السياسي، اكتشفت أن قاعات الدرس، يمكن أن تتحول إلى مساحات حيوية للنقاش والتفكير العميق. في البداية، قد يبدو للطلاب أن موضوعات مثل نظريات الدولة والمجتمع المدني والسلطة بعيدة عن اهتماماتهم، لكن سرعان ما يدركون أن هذه المفاهيم، هي مفاتيح لفهم الواقع الاجتماعي والسياسي من حولهم. فمن خلال دراسة هذه النظريات، يكتسب الطلاب القدرة على تحليل المشكلات الاجتماعية والسياسية، التي تواجه مجتمعاتهم، ويصبحون أكثر وعيًا بدورهم في إيجاد الحلول.
لتحقيق هذا الهدف، يجب خلق بيئة صفية، تشجع على الاختلاف البناء والتفكير النقدي. هذا يبدأ بالاستماع إلى توقعات الطلاب واحتياجاتهم، ووضع قواعد واضحة للنقاش، تعتمد على احترام الرأي الآخر، والتركيز على الأدلة والبراهين المنطقية، وتجنب التعصب والتجريح. كما أن تضمين نظريات متنوعة ومتعارضة في المنهج الدراسي، يشجع الطلاب على المقارنة والتحليل، ويدفعهم للتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة بدلًا من الاعتماد على “الحقيقة المطلقة”.
نتيجة لهذه الجهود، تتحول قاعات الدرس إلى فضاءات حيوية يتبادل فيها الطلاب الأفكار بحرية وثقة، ويستخدمون النظريات، التي تعلموها لتحليل قضايا واقعية تهمهم. الأهم من ذلك، أنهم يشعرون بأنهم قادرون على التعبير عن آرائهم بحرية وأمان، دون خوف من الحكم أو الانتقاد. هذا الشعور، يشجعهم على التفكير بشكل نقدي في قضايا مجتمعهم، والسعي إلى إيجاد حلول مبتكرة.
أذكر خلال إحدى المناقشات حول نظريات التنمية، أن أحد الطلاب طرح سؤالًا حول إمكانية تطبيق هذه النظريات في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي تمر بها مصر. بدلًا من تقديم إجابة جاهزة، شجعت الطالب على البحث عن إجابة بنفسه، من خلال الرجوع إلى مصادر مختلفة وتحليل الأوضاع الراهنة واقتراح حلول عملية. هذه التجربة، تؤكد أن قاعات الدرس، يمكن أن تكون مساحات للتغيير الإيجابي، إذا ما توفرت الإرادة لتهيئة بيئة تعليمية تشجع على الحوار والتفكير النقدي. في النهاية، يمتلك الجيل الشاب القدرة على فهم العالم من حوله وتغييره إلى الأفضل، إذا ما منحناه الأدوات، والفرص المناسبة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.