مرثا ميلاد تكتب | التغيرات الإنسانية

0 780

متي يودع البشر إنسانيتهم؟ أصبحنا في مجتمع يعيش على حافة الانحدار من الذي فتح باب الفوضى الأخلاقية وانعدام الإنسانية؟ متى وصلنا الي هذا الحد من بشاعة الاحداث، في غفلة من الزمن! ضاع من الشعوب انسانيتهم وأصبحنا نتعدى على الاخر دون رحمة حتى وإن كان الآخر هو حيوان لا حول له ولا قوة.
طفي على سطح المجتمع كم من الحقد والكره بشكل عام لا يفرق بين دين أو جنس أو حتى طبقة اجتماعية فكل من هو مختلف عني يستحق التشويه بلا رحمة ولا إنسانية ان كان على قيد الحياة أو بين يدي الله. حتى الرحمة على الأموات أو التعاطف مع الأحياء أصبح حسب انتماء الشخص ومجال عمله ودينه ومن أي طبقه اجتماعية هو.
أين ذهب الدعم المعنوي الذي يخلق الطاقة الإيجابية داخل الانسان. أصبحنا ننظر الي بعضنا البعض من نظرة ضيقة جدا مظهرية وعنصرية وتتسم بالجحود، فإذا اختلفنا نسن أسلحة التشويه الفتاكة ونطلق العنان للأخلاقية ونمارس السب والقذف والتشهير والتعدي بكل أريحية! متي يتوقف نزيف هذا الاسفاف؟
من الجانب التشريعي يوجد العديد من القوانين التي تحمي الحقوق والحريات، ولكن هل يعقل ان تطبق هذه القوانين على جميع هؤلاء البشر؟ هل تطبيق القانون يغير من القناعات الشخصية لهؤلاء المضطربين؟
أعتقد أن هؤلاء يعانوا من اضطراب سلوكي ويسمي اضطراب المعادي للمجتمع أو (الاعتلال الاجتماعي) وجاء هذا الاضطراب في قائمة الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية الذي نشرته الرابطة الامريكية للطب النفسي 1980.
دعونا نبحث عن أسباب هذا الاضطراب فقد يكون هذا الاضطراب له سبب وراثي نتيجة لتغير مزاج الأم وهرموناتها أو حدوث مشاكل في الحمل أو اثناء الولادة من نقص الأكسجين فهؤلاء الأطفال لديهم عوامل خطر أكثر من غيرهم للإصابة بالاضطرابات السلوكية والنفسية.
يقول المثل المصري التربية في الصغر كالنقش على الحجر، فقد عانى هذا الطفل في الصغر من القسوة وجحود القلب عليه، وقد يكون تعرض لألم نفسي ناتج عن إهمال الاهل الشديد له أو التنمر عليه أو تعرض لعنف بدني ونفسي شديد. فنشأ في منزل به مشاكل زوجية وعدم توافق بين الاهل وبينه لم يجد من يحن عليه أو نشئ وهو يري ويتعلم من أحد والديه هذا السلوك فأصبح القبح قدوة له.
عندها يكون مراهق متمرد لم يدخل قلبه غير الكراهية مشاعره تتسم بالجمود وعدم الرحمة ناقم على المجتمع ومن حوله، في سن الشباب يتزوج وينجب أطفال ويعيد من جديد دائرة العنف والإيذاء على أولاده وزجته. هذا المضطرب، إن جاز التعبير، لا يحترم أي قانون أو حق أو حرية للآخر فيأخذ ما يريد إما بالعنف أو بالحيل والألاعيب النفسية نصاب بارع كاره ماهر لا يتألم أو يتأذى لألم الاخرين يتجاهل بشكل قاسي مشاعر الاخرين وحقوقهم، فيعتبر أن له حق مكتسب في أي احتياج له فهو أيضًا قد يكون مغتصب أو متحرش ويبرر دائمًا ما يفعل بالإسقاط على الآخرين فلسان حاله دائما (هم السبب، لست أنا الفاعل).
السؤال الذي يطرح نفسه عزيزي القارئ كيف نعالج هذا الاضطراب؟ في الحقيقة الامر معقد لأن صاحب هذا الاضطراب لا يري إنه مريض أو يحتاج الي مساعدة وبهذا فقدنا اول طرق العلاج وهو اعتراف المرض بمرضه، فإما يكتشف ويعاد تأهيله في مراكز الدعم النفسي والعلاج المعرفي السلوكي وبعض الادوية أو يعاقب بالقانون على ما فعل من جرائم حتى وان كانت سب وقذف حال ثبوت هذه الجرائم.
للدولة والمجتمع دورًا مهمًا جدًا؛ فعليها بمراجعة جميع الخطابات التي تحض على العنف والتطرف وتنزع فتيل الرحمة من قلوب البشر. يحدث ذلك أولًا داخل المدارس من المراحل الأولى إلى مراحل التعليم العالي مرورًا بطلبة التعليم الفني والمؤهلات المتوسطة فهذا في غاية الأهمية زرع المحبة والتآخي وتعليم ما هي الإنسانية التي في بداية الآمر كانت فطرية حتى تلوثت بما ليس منا، وأيضًا حملات إعلامية وأعمال فنية درامية واجتماعية تبني الترابط والحب والتعاطف بين البشر فالقوة الناعمة لها تأثير السحر على روح الناس، وكذلك من يخطئ يعاقب (سياسة العقاب هي الرادع للمخطئ).
أتمنى وضع قانون أو تشريع يعاقب كل من يثير الفتنة ويفتح الباب للسب والتراشق بين الأفراد. أصبحنا نقرأ يوميا أخبار وهوس الترندات تشعل الفتنة في كل القطاعات والمستويات ليس فقط في الدين. وأخيرا أتمنى أن نعود إلى طبيعتنا الأولى وهي الإنسانية الفطرية فرفقًا بأنفسنا. يكفي ما نتعرض له يوميًا من ضغوط الحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.